الأربعاء، 9 مارس 2011

دروس في العلمانية- الدرس الاول


دروس في العلمانية- الدرس الاول

مفهوم الايدولوجيا الدينية
وإننا إذ نناقش الايدولوجيا الدينية لا طعنا" في ما أحب وما تعلـّق به آباؤنا وأجدادنا لهذا الوهم المقدس المفترض ، بل لتعرية هذا المفهوم التعصبي المغلق بعد أن فقد حيويته الآنية بسبب انغلاقه وعدم طواعيته للتغير بتغير المفاهيم وتحولها نتيجة للفهم الجديد للواقع المفروض كونه أساسا" مبنيّ... على عدم التوازن وخواء المحتوى من امتدادات تستطيع التواشج مع المحيط المتغير فأضحى أداة لإرهاب الناس والتسبب في القتل والتهجير والإبادة ، ولنفهم أن ما يجري من عدم توازنات إقليمية أو اجتماعية داخلية كان سببها الدين السياسي المختنق المحتضر .
وأود أن انوه في هذا الصدد أن كثيرا" من الرسائل التي تصلني متوافقة مع أطروحاتي واستنتاجاتي لكنها تقف خائفة إزاء الوجود الإلهي ، إذ لازال الخوف المبهم يغلف العقول كونها لم تعبـّأ ذهنيا" بالفكر المنطقي العلماني .

وأني إذ أعيد هذه الموضوعات على شكل دروس تثقيفية لغرض ترسيخ المعلومة لأهمية إدراك محتواها ونواتجها على تطور مجتمعنا ونهوضه العلماني الواضح واندحار قوى الظلام المقيتة من تحزبات دينية سياسية أو سياسية مغلفة بالدين والذي يتلاءم وتطلعاتها المريضة .
و الايدولوجيا هي الفكرة الدوغمائية التي يلازمها التعصب والانغلاق ألنقاشي تحملها طبقة أو فئة اجتماعية ، أو سياسية ، أو حزب ما ، وقد وصفها إنجلز (بالوعي الزائف) باعتبارها تشويهاً للفكر والحقيقة، لأن الطبقة الحاكمة تحجب الوعي والرؤية الصحيحة عن الطبقة المنتجة، وتدّعي الحقيقة المطلقة لتسويغ موقفها وتثبيت شرعيتها.
وبسبب من عدم احتوائها على مبدأ التحاور والنقاش لعدم قبولها للتغيير لذا تتحول في النتيجة إلى نهج شوفيني انتقامي زجري .
والدين هو مفهوم أيديولوجي بحت خاضع لمحتوى حقبوي محدد بزمان ووعي يستوعب تلك الحقبة التاريخية ، وقد ثبت هناك ، واستمر ينتقل عبر الحقب التالية كمغلـّف مكيـّس لم يتآلف وينفتح ، إذ لا دين قبل ظهور الإنسان على الأرض ، فكان ظهور هذا المفهوم المنسلخ من مفاهيم غامضة لنواتج طبيعية كان الرد الانتقائي لذلك الحدث المادي المتوازن في صيرورته ؛ فكان التفسير الأوحد لعدم امتلاء ذهن الإنسان الجديد على هذا الواقع بعد تطورات طبيعية لمختلف حيوات الأرض نتيجة الانقلابات الحرارية والضغوطوية والجيولوجية المرتبطة بحرارات وتجاذبات الشمس، فكان هذا النضج الإدراكي الواضح والذي تثبته الاحفوريات حين وجد أن أدمغة ما قبل الإنسان لا يستوعب سوى المخيخ الحالي أما دماغ الإنسان ( بل اصغر طفل إنساني ) يكون دماغه اكبر ستة عشر مرة من دماغ انضج رجل نياندرتال، لذا كان التخيل واضح لدى هذا الإنسان الجديد الذكي الذي بقي دماغه بكل تقسيماته وتخصصاته فارغا" من الخبرة بسبب عدم وجود خزين للمقارنة (وأؤكد هنا على مفهوم المقارنة فدماغ الإنسان ليس حاوية للمعلومات بل امتدادات رمزية لمفاهيم مسبقة الحصول ماديا" تمثلها الدماغ واستنتج حلولا" لها ، امتدادات يبوّبها الدماغ لترتبط بكل فعل جديد يستلمه ، أي أن الدماغ لا يخزن جميع ما يؤثر عليه من فعل عن طريق الحواس الخمسة منذ خروجه للحياة حتى مماته في كل لحظة تمر علية ، بل يبوب امتدادات فقط كما هو حاصل في عمل الكومبيوتر، كامتدادات
Jpg , mpeg wav , mp3 الحاسوبية ..الخ على سبيل المثال والتوضيح ، كونه وجود (منطقي ) أما الإشارات الكهربائية Pulses فهي انتقالات أيونية طاقية للتواصل بين الخلايا العصبية للدماغ لتمثل الفعل الخارجي الضاغط منطقيا" .
فبدأ الإنسان الأول بلملمة أموره وافتراض خصائص محيطه وجمعها وتمثـّلها داخل دماغه الفارغ من محتوى استباقي ليعلن عن وجود مكونات ارتآها هو ولا وجود مادي حقيقي لها ، وكانت بحجم الخطر المدمر الذي تحدثه كالزلازل والأعاصير وانفجار قمم الجبال بشكل سيول بركانية تذيب ما يصادفها ، فكان مفهوما" فانتازيا" اكبر ( لابد أن يكون أكبر !) من هذا الواقع المهول أوجد مفهوما" خارج (لابد أن يكون خارج ) هذه السماء الممطرة المرعدة ، وأن لا يشبه أيا" مما يحيطه وإلا لكان دونيا" أرضيا"زائلا" بل من الممكن صرعه وإبادته ، فكان لابد أن يكون بلا شكل أو حجم ولا يتصف بأية صفات أرضية فانية !
إن ذكاء الإنسان غير المكبـّل بقيود وقيم بسبب من اتساع إدراكه وإمكانية تمثـّل الفعل وربط مكوناته بما يهدئ الدماغ ويفعـّله ليدمج تلك المكونات في ذكاء استشعاري خالقا" إيديولوجيات خلفية لا وجود حقيقي لها إلا في هذا الدماغ تكفي لاستيعاب تلك التغيرات المتسارعه لمحيطه .
وقد دلتنا المادية التاريخية والديالكتيكية وأصل الأنواع واكتشافات علماء الثورة الصناعية وما تبعهم والنسبية الآينشتاينية حول مفهوم المادة وأشكالها الطاقية والتجاذب الكتلوي للأجسام والخضوع للبعد الرابع ( الزمن ) إضافة إلى الأبعاد : الطول والعرض والعمق ، كل ذلك جعل من الواقع ألتأثيري خاضع للدراسة والتحليل ، وقلب المفهوم الفانتازي ليقف على رجليه بعد أن كان بالكاد واقفا " على رأسه ( كما أكد ماركس منتقدا" المفهوم الهيغلي للعقل والوجود الذي حرر مفهومه من الجمود وأعطاه صفة الديالكتيك لكنه كان ديالكتيك الفكر فكانت المعادلة مقلوبة رأسا" على عقب، فأوقفها ماركس على رجليها وفي وضعها الصحيح أن قال بديالكتيك الطبيعة وليس الفكر ، فالفكر هو نتاج الطبيعة وليس واجدها ، وان الله هو نتاج الطبيعة وليس خالقها ! وان الفكر الديالكتيكي الهيغلي تؤكده الخصائص الديالكتيكية للكائن ، فالفكر مرهون بالكائن ، وبالتالي فأن كل الملابسات والإشكالات قد توضحت بعد الانقلاب الماركسي هذا في الفلسفة والمنطق .
وكان للموقع الجغرافي أثرا على تطور الإنسان أو تخلفه الاقتصادي وبالتالي الاجتماعي فحيث لا يوجد حديد في الأرض لا تستطيع القبائل البدائية أن تتخطى حدود العصر الحجري إلا بمساعدة خارجية ، وان الصيادين والسماكين البدائيين إن أرادوا الانتقال إلى الزراعة والرعي فأنهم يحتاجون إلى شروط مناسبة من البيئة الجغرافية ؛ أي إلى حيوان المنطقة الداجن والى المحصول والأرض الخصبة لنموه .
ونلاحظ أيضا أن عملية التطور الحقبوي يتأثر بالبيئة المحيطة بشكل مباشر وفعال فقبائل ماساي في شرق أفريقيا على سبيل المثال وهي قبائل بدوية غير مستقرة لا تبقي على حياة أسراها في الحروب ، أما قبائل فاكامو المجاورة وهي قبائل زراعية فإنها تبقي على حياة أسراها وتحولهم إلى عبيد ، لذا فان ظهور العبودية كمرحلة حقبوية يتطلب تحقيق درجة معينة من تطور القوى الاجتماعية وكان للبيئة الزراعية أثرا في تحقيق هذا التطور لقوى الإنتاج , وان هذه القاعدة الاقتصادية الجديدة أوجدت البنية الفوقية التعاملية كسن القوانين لاستغلال القاعدة الاقتصادية على الوجه الأمثل وحسب إدراك ذلك العصر ووضع الضوابط الاجتماعية وتحوير المفاهيم السابقة للوجود بما يخدم أيضا هذا التطور وهو الدين ، وكلما زاد الإنتاج أي زيادة في الكم يقود ذلك حتما إلى تغيرات نوعية فيتم تقسيم العمل والاستفادة من المحصول لا للغذاء فقط بل للباس فظهر النسيج ، وظهرت الحرفة في إنتاج الخمور والزيوت النباتية من النبات ، وهذا ما سيقود إلى تغير المفاهيم السابقة للمجتمع بما يلاءم هذا التغير في أسلوب الإنتاج وكان لابد من السيطرة على العمل والحفاظ على الإنتاج وموقع الإنتاج لتظهر الأسوار والجيوش المدافعة وليترأس هذا كله صاحب العمل الذي يتحول نتيجة لخوف الإنسان من الفكرة القديمة الراسخة في عقله والمتمثلة في القوة العليا الغامضة من أن تحميه لا أن تبطش به ، فيتحول رب العمل إلى اله أو وكيل للإله على الأرض مقتنعا بهذه الفكرة ومستغلا امتيازاتها في استغلال العاملين وسرقة جهودهم ، وتحويل أسرى الحروب إلى عبيد ،
وكما يقول ماركس في أطروحته عن فيورباخ ( إن الدين لم يصنع الإنسان بل الإنسان هو صانع الدين ).
سنكمل في الدرس الثاني الصراع الطبقي ودور الايدولوجيا الدينية في إخماد ثورية الطبقة الناهضة من سلفها


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق