الأحد، 29 مايو 2011

الحرية كاداة حضارية


الحرية كاداة حضارية

 

الحرية هي قانون  يحدد كيفية التصرف بالملكية سواء كانت فردية او جماعية بشرط ان تكون متناغمة ومتناسبة مع قانون يسبقها لتنظيم حقوق الملكية  ولمنح كل انسان ومجتمع حقوقه الكاملة بالحياة والحفاظ على هذه الحقوق

الحرية هي دستور حياة  تفرضه تعقيدات وسائل الانتاج وتطورها  وتطور الانتاج كما ونوعا  وتطور نموه والتوسع في استغلال ثروات الطبيعة ومقدرات الحياة ومقوماتها من اجل تحقيق رغبات الانسان وحاجاته  اللتي تكبر وتتوسع بفعل التطور الحضاري والطبيعي والنمو البشري وتوالي الزمن وتغير الواقع التتابعي بالسير نحو الافضل وتوسع مساحة التفاعل الحيوي بين الانسان والمجتمع وبين المجتمع والطبيعة

ومن هذا التعريف نقدر ان نقول بان الحرية هي اداة حضارية رئيسية في تشغيل حركة الحياة في طريق التقدم والرخاء للانسان وكلما زاد حجم وشفافية الحرية كلما زادت حركة الحياة نحو اهداف الانسان المنشودة بالتقدم والرفاه

ولكي ننجح في تركيب الحرية كاداة في محرك حياتنا علينا بتجهيز القاعدة اللتي تركب عليها الحرية والقاعدة كما قلنا هي  منح الحقوق الحياتية لمالكيها والحفاظ عليها

مع الملاحظة بان الحرية قبل ان تصبح دستور حياة يجب ان نخلق مناخ ثقافي وتربوي اجتماعي  لاستقبال هذا الدستور والتعاطي معه والالتزام باحكامه قبل تطبيقه وذلك بزرع الحرية في اذهان المجتمع كمفهوم وفلسفة حياة وايدولوجيا ومنهج وطريقة ومبدا وقيمة وخلق وسلوك  وثقافة وعرف وعادة وتقليد ونمط حياة  والبداية في هذا البرنامج تكون بالفرد منذ الصغر وحتى سن النضج انطلاقا من البيت ثم الروضة والمدرسة والجامعة والمؤسسة والشركة ومكان العمل والمصنع والمزرعة والشارع واماكن التفاعل الحياتي الاجتماعي والحياة العامة بكل اركانها

وعلى هذا فان الحرية  من اهم المشاريع الوطنية اللتي يجب ان يشارك بها كل فرد وكل مؤسسة وكل حزب وفئة ونقابة وجمعية ومديرية  وكل مؤسسات ودوائر السلطة الحاكمة واصحاب القرار

وبالعودة الى الفرد  اللذي يطالب بالحرية في موجة الثورات العربية  اريد ان اساله  بعض الاسئلة العمومية   :

1- اخي الثائر هل تطالب بالحرية ام التحرر من الالتزام والقانون والنظام  والانضباط ومتطلبات الواجب الحياتي  اتجاه نفسك والوطن ؟

2- هل الحرية اللتي تطالب بها تفهم معناها  الكامل  وتشكل الحرية هذه منهجا حياتيا لك تطبقه على نفسك بحدود وسطك الحياتي الذاتي والاسري والمجتمعي  المحيط بك ؟

وان كان كذلك  هل تمتلك كافة حقوقك بالحياة او انك قادر ومؤهل على التصرف بها بشكل ايجابي ومثمر وطبيعي وانتاجي وخلاق لخدمتك اولا وخدمة مجتمعك ووطنك؟

وهل انت تنازلت عن الحقوق اللتي اغتصبتها من الاخرين غيرك  باسم الاعراف والعادات والتقاليد والدين والمعتقدات واعدت هذه الحقوق لاصحابها  مثل حقوق المراة وحقوق الطفل وحقوق الاجير المستخدم وحقوق الصديق والجار والزميل والصاحب والحبيب وكل افراد المجتمع وحقوق الوطن ؟

من ابسط الامثلة في مجتمع يصادر حق الفرد في الحياة  هو حق المراة وحق المراة يتمثل بان تستعيد ملكيتها لذاتها اي شخصيتها وكيانها  وكيان المراة يتكون من جسد وعقل ونفس

فهل المراة في المجتمع العربي تمتلك جسدها  ؟ كي تتمتع بالحرية اللتي نطالب بها  فتكشف شعرها ووجها اينما تشاء ووقتما تشاء بحريتها المطلقة وتلبس ما تشاء وتتصرف بجسدها ما تشاء ؟

هل المراة تمتلك عقلها بحيث تعبر بطريقتها عن افكارها دون حساب او عقاب او رقابة او تحديد او منع او توجيه ؟

هل المراة تمتلك نفسيتها بحيث تقدر ان تعبر عن مشاعرها واحاسيسها وتتصرف بحياتها الاجتماعية بناء على احاسيسها الذاتية بحريتها المطلقة ؟

هل الطفل في بلاد العرب والاسلام يمتلك جسده وعقله ونفسيته بنفس السياق اللذي طرح للمراة ؟

هل الفرد ذاته الرجل وخصوصا الشاب المراهق المقبل على الحياة يمتلك شخصيته وكيانه وله الحق ان يتصرف بملكيته  ضمن ثقافة اجتماعية  تسمح له بذلك ؟

 

بعد هذه الاسئلة اظن ان مفهوم الحرية اللتي يمارسها العالم الحر المتحضر اللذي سبق العرب  في طريق الحضارة بمحطات كثيرة ومسافات كبيرة  يختلف اختلافا جوهريا وكليا عن مفهوم الحرية عند الجمهور العربي الثائر المطالب بها من حكوماته ومما  جعلني ان اصل الى هذه القناعة هو ان  قانون الملكية لحقوق الحياة الفردية والاجتماعية ما زال من الصعب تطبيقه كقاعدة لتطبيق قانون الحريات  حتى نحصل على منظومة دستورية متكاملة اسمها حرية

كلامي هذا ليس المقصود به توقف الثورات العربية وتوقف المطالبة بالحريات  وانما اوجه الانظار الى من يذهب للصيد عليه ان يملا جعبته  بالسهام وياخذ معه اداة الصيد  فمن يذهب يطالب بالحرية عليه ان يتوقف عن اغتصاب حقوق الاخرين في الحياة وبالذات حقوق النساء والاطفال  وعليه ان يعيد الحقوق المغتصبة لاصحابها وعليه ان يغير ثقافة الاستبداد والتسلط والعدوانية الراسخة في ذهنه الى ثقافة الحب والتسامح وعليه ان يكون مستعدا للالتزام  بقانون حقوق الملكية اللذي هو اساس  لقانون الحريات

وبعدا هذا  ستكون الحرية في ايدي امينة ولدى انسان يدرك قيمتها  ويشغلها ويستخدمها بالشكل الايجابي والصحيح  للوصول الى الغاية اللتي وجدت من اجلها الحرية

وهنا نكون قد  حققنا حرية فاعلة منتجة واداة حضارية تعمل على تشغيل محرك حياتنا في طريق حضارتنا ونقلنا الى محطات واهداف متقدمة نحقق بها الرفاه والرخاء والسعادة الوجودية  وليس  حرية جوفاء صورية كلعبة نتزين بها امام الشعوب خالية من اي حركة او فعل او انتاج ونبقى متخلفين كما نحن في محطتنا الحضارية الاولى نستغفر وندعو لله ونستغيث به لنقلنا خطوة للامام  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق