الجمعة، 25 فبراير 2011

المناورة .

المناورة .

المؤمن يجد إرتياحية خاصة فى اللجوء لمنظومته الدينية كونها تشكل له درجة من الأمان والإحتياج النفسى لعبور كل الظلم والقسوة والجهل فى الحياة .
وكما ذكرنا سابقا أن النفس المحتاجة لهكذا وضعية تسوق العقل لوضع ترتيبات ذهنية تكرس حالة الإستسلام والإستكانة للفكرة ..ولكن العقل قد يواجه إشكاليات فى بلع وهضم كل الحمولة المحملة بالسذاجة و...الخرافة .
هنا العقل يقوم بتأثير من النفس التى تهتز ثوابتها بإبتكار وسائل دفاعية تجعل الأفكار تبقى على حالها ..ومن هذه الإبداعات حيلة المناورة .

المؤمن يتحصن بمعتقداته وخرافاته وغيبياته فى حالات كثيرة أمام تهميش وتحقيرمعتقدات وخرافات الأخرين ..فهو هنا يخلق حالة منطقية وعقلانية مؤقتة يواجه يها أطروحات الأخر الغيبية والخرافية ليخرج منها بقناعة فساد فكر الأخرين إذن تكون أفكارى وخرافاتى مقبولة .

هذا الأمر تتلمسه بسهولة فى إمتلاك الكثير من المؤمنين معلومات ما سواء أكانت متماسكة أو سطحية عن معتقدات الأخر, ليخرج فى النهاية أن الجميع فاسد فكريا وعقائديا إذن فمعتقدى يكون صالحا .

لا أنكر أن نقد بعض المؤمنين للمنظومات الدينية الأخرى تستند فى كثير من الأحيان على نقد منطقى واعى ..وقد يصل فى مرحلة عند بعض المتقدمين ثقافيا إلى نقد علمى جيد يرتكز على علوم مثل الميثولوجيا والأنثربولوجى والتاريخ ,,ولكن المأساة الملهاة تكمن فى أنه لايمد النظرة المنطقية والعقلانية والعلمية على منظومته الدينية ..إنه يستخدم العلم والمنطق لنقد معتقد الأخر حتى يولد حالة نفسية بأن الجميع قد فسدوا , ويبقى إيمانه هو الصالح الذى لا تشوبه شائبة .

نستطيع أن نذكر العشرات من الحجج التى يتناولها أصحاب الأديان لبعضهم البعض ..فترى المسلم يسخر من العبادات الوثنية كعبادة البقر عند الهندوس ,وتقديس الصور والأيقونات عند المسيحيين ,ويكون نقده صحيحا ولكنه ينسى أو يتناسى ,أنه يقدس الحجر الأسود ,ويقبله .
المسيحى ينتقد الإسلام هو الأخر فى أنه يسرد قصة العجل الطائر فى الفضاء والذى يعرف بالبراق ويبين المنتقدين إستحالة وجود أى كائن يستطيع أن يسبح فى هذا الفضاء اللانهائى ..وتكون وجهة نظرهم صحيحة ولكنهم نسوا أو تناسوا أيصا أن النبي إيليا كان يصعد إلى السماء عن طريق سلالم والملائكة تصعد أمامه .

مثال أخر نراه بشكل متداول فى المنتديات وخصوصا منتدانا ,وهى التى يخوض فيها المؤمنون بالنقد والتشكيك لنظرية التطور , فتجد حرص كل زميل مؤمن أن يخوض فى هذا الأمر ..بالطبع ليس هنا مجالنا فى الدفاع عن نظرية التطور التى تؤكد نفسها بألاف الأدلة والبراهين ...ولكن ماذا يعنى نقد نظرية التطور والسخرية منها ..معناها الوحيد أنها تعطى للمؤمن راحة فى قبوله نظرية الخلق الطينية الأسطورية المهترأة .
المؤمن إذا كان يمتلك درجة ما من الثقافة العلمية فهو يخوض فى الحلقات المفقودة فى التطور, والتى لم يعثر على أحفوريات لها أو يعتمد على بعض الأطروحات عن الخلق الذكى ...ولكن هو لا يحاول أن يكمل نفس المنظور العقلى العلمى فى تمديده على نظرية الخلق الطينية .
هو يستخدم العقل لمحاولة تسخيف فكرة التطور لتعطى له حالة من الإرتياح لقبول نظرية الخلق الأسطورية .

لم يسأل أى دينى نفسه ..هل معنى أن يكون دين الأخر خاطئا ومشوها ويعج بالخرافة والغيبات ..هل يجعل معتقدى وخرافاتى وغيبياتى صحيحة بالضرورة .؟
لم يسأل أى مؤمن نفسه ..هل لو كانت نظرية التطور خاطئة وعبثية ..هل بالضرورة تكون نظرية الخلق الطينية صحيحة .؟

فى الحقيقة لن يسأل أى مؤمن نفسه هذا السؤال المنطقى !!..لسبب بسيط .
أن أليات العقل تم إستخدامها لغرض وهدف محدد ,وهو الوصول إلى عتبات حالة إيمانية محددة وتسكين النفس المضطربة داخل أسوارها ..هنا يناور العقل فى الطعن والتشكيك فى معتقدات الأخرين ليصل إلى نتيجة يأملها فى أن الجميع فاسد ,ويبقى معتقدى هو الصحيح فى هذا العالم ..صحيح هو يقفز على منطقية فكرة أنه إذا كان الكل فاسد فليس بالضرورة أن تكون غيبياتى وخرافاتى هى الصحيحة ..فليس هذا بغريب على أليات عقل تم تحفيزه لقبول نقد حمولة الأخرين الغيبية والخرافية ..وتخديره فى الوقت ذاته بقبول حمولة مشابهة لخرافات وغيبيات ساكنة فى الداخل .

إن عملية نقد الأديان من أصحاب الأديان أى النقد الدينى الدينى , ماهى إلا مناورة عقلية يحاول بها الذهن إيجاد حالة من الإرتيحاية للحالة الإيمانية السائدة والمأمولة .

من الممارسات التى يحرص العقل الدينى على تكريسها هو تقديم الإحترام والتبجيل للمقدس ..أى تنصيب شئ ما وإحاطته بهالات من الإحترام والتوقير والتبجيل .

سنجد أن هناك مكان مقدس .. وحجر وتمثال مقدس ... وأيقونات مقدسة وعتبات مقدسة ..
صحيح أننا سنكون أمام رموز مقدسة تزداد إتساعا وتنوعا فى معتقدات وتقل بدرجة ما فى بعض المعتقدات الأخرى ..ولكننا لن نجد دين أو معتقد يفتقر ويفتقد للمقدس .

وبالطبع لن نجد أى تغييرات فيزيائية تطرأ على المكان أو الحجر أو التمثال لتجعله مختلفا عن مثيله ..بل تضاف صفة المقدس هنا عنوة بغية أهداف ومرامى محددة الهدف والمقصد .

بالطبع فكرة وجود المقدس لها أهمية خاصة لقدرة الإنسان على تحمل الأفكار الميتافزيقية ..فالإنسان لا يستطيع أن يتقبل أى شئ غير مادى ليس له وجود ..شئ لا يستطيع أن يتلمسه بحواسه ويجد له وجود على أرض الواقع .
من الصعوبة بمكان بل من المستحيل أن يقبل وجود أشياء تفتقر للوجود والمعاينة ويطلق عليها أنها لا مادية الوجود .

يكون المكان والحجر المقدس هو خلق وجود للاوجود له ..هو صيغة تواصل مع الأفكار اللاورائية ..المقدس هو إعطاء إنطباع بوجود أثار للأفكار الميتافزيقية والخرافة ..المقدس يكون تجسيد مادى لأفكار عصية على الفهم والتحقق .

من أبدع فكرة المقدس لم يكن يرمى فقط إلى محاولة تجسيد للامادى وتقريبه للذهن البشرى الذى لا يقبل الموجود إلا محسوسا أو يمكن معاينته .
الذهنية الإيمانية إستغلت وجود أشياء مادية وأطفت عليها الإحترام والتبجيل والتوقير لتمرير هدف أخر غير فعل التواصل بين الإنسان والخرافة ., فيصبح سريان القداسة فى ذهنية ووجدان الإنسان داعيا لقبول كم محترم ولا بأس به من الخرافة والغيبيات .

ولتوضيح النقطة الأخيرة نقول ..إن تسليم وإنبطاح الإنسان بتسليمه بأن هذا الحجر مقدس وهذا المكان مقدس بالرغم أنه لا يراه فى داخله ليس مختلفا عن أى حجر أومكان أخر هو تسليم مبدئى لمفاتيح العقل الناقد ..هو تخديره أو قل هو إطلاق رصاصة الرحمة عليه .!!

ثم يتم التماهى فى ممارسة الطقوس للمقدس ويتحول الإنسان كفاعل ميكانيكى مبرمج على أداء حركات معينة بدون أن تستوقفه أو يفكر فيها ,,وهنا تكون البرمجة قد تمت على أكمل وجه ..فقمة الإنسحاق للعقل عندما يقدم الإنسان على أداء فعل مادى وحركى وهو معزول بعقله وتفكيره عنه .. فيصبح الطريق ممهدا بعد ذلك لتمرير حمولات لا بأس بها من الخرافة والغيبيات ..ثم تدور الدوائر .

فزاعة الموت .

الموت هو قلق الإنسان الأكبر ..هو همه وألمه الجوهرى ..
تتحطم على صخرة الموت كل الحياة والأمال والأحلام والحب للحياة والوجود.
الموت هو الصفعة القاسية التى توجه لعقولنا وذواتنا وقلوبنا المحبة والمسالمة .

الإنسان أحب الحياة والوجود بحكم وجوده وتواجده ..بينما الموت هو مضاد الوجود ..هو اللاقيمة ..هو العدم .

من خلال فوبيا الموت التى سيطرت على وجدان الإنسان سواء القديم والحديث ,تولدت فكرة الألهة لعبور عالم الموت والولوج إلى عالم الحياة مرة أخرى .

فى إعتقادى أن فكرة الأله جاءت لتفى هذه الرغبة فى الأساس , وليس كما يتم ترويجه فى أن فكرة الإله جاءت لتعطى إجابات للغز الحياة والوجود أو تحصن الإنسان من قسوة الطبيعة .

ودليلى على زعمى هذا ..إننا لو طرحنا على أى مؤمن فكرة أنه لا توجد حياة بعد الموت سواء جنه أو جحيم ..ثم تركناه يتفاعل مع هذه الفكرة , فسنجد أن الذى يربطه بفكرة الإيمان والإله والدين هى هذه الإشكالية .

فبدون حياة بعد الموت لن يتعبد الإنسان ,ولن ينفق دقيقة واحدة من وقته فى الصلوات ..بل سيعيش الحياة .

المنظومة الدينية تتكأ على قضية الموت لبناء كل هيكلها الخرافى ..هى تضغط على أكثر الأعصاب ملتهبة فى الجسد الإنسانى ..تضغط على فوبيا الموت ..وتغزل فى المقابل الحلم البديل ..حلم الإنسان فى الوجود أن يكون خالدا ..هذا الحلم لن يختلف أى إنسان عليه ..!!!
ولكن المؤمن يرى الحلم حقيقة ويعيش على رجاءه ..أما الملحد فيراه حلم وفنتازيا فيفضل أن يعيش الواقع كما هو بدون أى إضافات خرافية أوسرابية .

العقل الإيمانى يبنى على حجر زاوية وحيد وهو الوعد بعالم أخر وحياة أخرى ...وبدون هذا الحجر فأنا أعتقد أن البناء الإيمانى يتفكك وينهار دون أن يلمسه أحد .
لذلك هناك إلحاح شديد على التذكير بالموت فى الثقافات الدينية لخلق ثقافة الخوف من الموت ويتم فى نفس الوقت تقديم وعد بالحياة مرة أخرى ليدغدغ مشاعر الإنسان المتلهف والمتشبث بالحياة والبقاء .

من هنا ..نجد أن الإيمان يتكأ على أحلام ورغبات إنسانية غير واعية تتماهى فى الخوف والرغبة ..
أحلام لا تجد لها أى دلالات فى الواقع , فلم نشاهد أمواتا قاموا من أحضان الموت ..ولا جاءنا ميت ليسرد علينا طبيعة حياته بعد الموت .
المؤمنون يدركون جيدا أنه لا دليل واحد يثبت زعمهم بعالم وحياة بعد الموت ..ولكنهم لا يريدون أن يقتنعوا بالبديل ألا وهو أن الموت ينتهى بالإنسان ولا وجود لحياة أخرى ..ليس هذا كرفض عقلى وإنما رفض نفسى لعبثية الحياة ..رفض لرغبات وأشواق تتم تحطيمها ..رفض لأحلام يتم كسرها على صخرة الواقع .

المنهج الإيمانى يتلاعب على هذا الحلم والغرور والجهل الإنسانى لتمرير جبال من الخرافة والغيبيات ..ومن هنا لا نندهش عندما تجد إنسان محترم يردد بكل حماس قصة العجل الطائر فى السماء أو الجن الذى يتبول فى أذنه أو المرأة التى تلد بدون جماع .
هنا تتكون ممرات وسراديب لتمرير كل تلال الخرافات والأساطير بعدما تمرغ العقل فى أحضان الفكرة التى ستمنحه الحياة بعد الموت .

الإيمان يتفكك وينهار عندما يدرك الإنسان أنه لن يسافر إلى عالم أخر على بعد مليارات السنين الضوئية ليعيش فى عالم أخر يمنحه الحياة والبقاء .

لو لم يكن هناك موت لما إخترعنا الألهة !!!..ولو أدركنا أننا نعيش حياة واحدة فلن ننفق دقيقة واحدة فى عبادات !!!..وسيصبح الإيمان هو بمثابة الأحلام الخرافية والسرابية .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق